يقدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD)، منذ العام 1990، تقارير حول التنمية الإنسانية، منها التقارير الدولية السنوية، والتقارير الإقليمية، مثل التقارير الخاصة بالمنطقة العربية وجنوب أسيا وأوربا...، كما يقدم تقارير خاصة بكل دولة عبر المكاتب الفرعية للبرنامج الموجود في هذه البلاد.
وفي سياق البلاد العربية قدم البرنامج المذكور خمسة تقارير، بدأ الأول في 2002 تحت عنوان "خلق الفرص للأجيال القادمة"، وقد حضّ التقرير إلى التغلب على ثلاث عقبات رئيسية: احترام الحريات الإنسانية، وتمكين المرأة، واكتساب المعرفة.
أما التقرير الثاني لعام 2003، فقد وقع تحت عنوان " إقامة مجتمع المعرفة"، ويخلص التقرير على أهمية المعرفة بالنسبة للبلدان العربية كمحرك قوي للنمو الاقتصادي من خلال تحقيق إنتاجية أعلى و يشدد على أن المعرفة تساعد بلدان المنطقة العربية على توسيع مساحة الحريات الإنسانية وتعزيز القدرة على ضمان هذه الحريات من خلال الحكم الرشيد، وتحقيق المبادئ الأخلاقية الإنسانية العليا المتعلقة بالعدالة والكرامة الإنسانية.
ويطرح التقرير الثالث لعام 2004 والذي كان بعنوان "دعوة للحرية وللحكم الصالح في العالم العربي."، معالجة سريعة ومتعمقة لنقص الحريات والحكم الصالح ويدعو للإصلاح في المجال السياسي والقانوني.
ويقدم التقرير الرابع- تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005، تحت عنوان " نحو نهوض المرأة في الوطن العربي"، برهاناً قاطعاً على أن التحقيق الكامل لطاقات المرأة العربية متطلب جوهري لازم للتنمية في البلدان العربية كافة.
أما التقرير الحالي- تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009، فقد عالج قضية بارزة في حياتنا العربية المعاصرة ألا وهي " أمن الإنسان". ويؤكد التقرير أنّ أمن الإنسان شرط ضروري لتحقيق التنمية البشرية، وأن إنعدام وجوده في البلدان العربية يزعزع خيارات الناس الذين يعيشون فيها.
يستند التقرير إلى مقاربة شاملة للأمن الإنساني عبر معالجة الجوانب المختلفة للتنمية المستدامة والحكم الرشيد وحقوق الإنسان و يقدم الكثير من التوجهات وأدوات التشخيص والحلول المقترحة لأزمات التنمية والأمن في البلدان العربية ، وربما نكون في المغرب بحاجة إلى القراءة الدقيقة لهذا التقرير وخاصة في سياق المعلومات التي تضمنها والخاصة بوضع المملكة النسبي في العالم العربي في منظومة الأمن الشخصي والتنمية.
يقع التقرير في محاور سبعة،يتصدرها التحدي البيئي الذي يواجه المواطن العربي بفعل استمرار ارتفاع معدلات الزيادة السكانية مع تقلص الموارد الطبيعية وتهالك البنية التحتية وتنامي مشكلات بيئية كنضوب وشح مصادر المياه السطحية والجوفية. وفي هدا الإطار يؤكد التقرير أن المغرب في مقدمة الدول العربية الأكثر تلوثا من حيث ارتفاع المعدل اليومي لانبعاث الملوثات العضوية في المياه. كما يشير التقرير إلى تعرض المغرب مستقبلا لخطر تراجع مستويات هطول الأمطار بسبب التغيرات المناخية و يرى التقرير أن الإجابة تكمن في " هشاشة البنى السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية في المنطقة، وفي افتقارها إلى سياسات تنموية تتمحور حول الناس، وفي ضعفها حيال التدخل الخارجي. وتضافرت هذه العناصر لتقويض أمن الإنسان، وهو الأساس المادي والمعنوي لحماية وضمان الحياة، ومصادر الرزق، ومستوى من العيش الكريم للأغلبية. ذلك أن أمن الإنسان من مستلزمات التنمية الإنسانية، وقد أدى غيابه على نطاق واسع في البلدان العربية إلى عرقلة مسيرة التقدم فيها". وفي سياق دور الدولة العربية في توفير الأمن لمواطنيها فقد جاء الفصل الثالث من التقرير متميزا في أنه يناقش وللمرة الأولى بشكل علني أهمية دور الدولة في حماية الأمن وحقوق المواطنين ويستنتج بأن أداء الدول العربية متفاوت في هذا الشأن وأن بعضها قد أصبح يشكل "خطرا" على أمن المواطنين من خلال التسلط والأدوات التي تقمع الحريات والحقوق. أما من حيث حرية تأسيس الهيئات السياسية ودعمها فخلص التقرير أن هناك ستة بلدان عربية ما زالت تحظر من حيث المبدأ قيام أحزاب سياسية وهي الإمارات العربية المتحدة والسعودية وعمان وقطر والكويت وليبيا وبالمقابل تشهد دول أخرى كالمغرب ولبنان اتساعا نسبيا في هامش الحرية السياسية.
أما فيما يتعلق بالتحدي الاقتصادي فقد شدد التقرير على ضرورة تنويع الاقتصاديات العربية وعدم تركها رهينة لتقلبات سوق النفط ، سواء الدول المنتجة للنفط أو المستهلكة له. وينتقد التقرير الضعف البنيوي في الاقتصاد العربي والمستند إلى الخدمات (65% من الناتج المحلي الإجمالي في المغرب) وتراجع دور الاقتصاد الإنتاجي ونبه التقرير إلى خطورة نسبة البطالة بين الشباب في المغرب والتي تصل إلى 16% والتي تعد من المصادر الرئيسية لانعدام الأمن الإقتصادي والإجتماعي . ولكن المغرب يعتبر من بين الدول العربية التي تسجل ارتفاع في نسبة الفقر (أقل من 2,7 دولار يوميا) وهي تبلغ 39,65% بينما تصل في اليمن إلى %59,95 وفي موريتانيا % 53.95. % وفي مصر 40%. وفي الأخير يناقش التقرير أزمة الأمن الغذائي والجوع والتي ربما تتركز في البلدان الأكثر فقرا في العالم العربي ولكن تبعاتها ومظاهرها موجودة بحدة حتى في الدول ذات الدخل المتوسط حيث يشير التقرير إلى ارتفاع مطرد في نسبة الجياع في الأردن والسعودية ولبنان ومصر والمغرب واليمن وينتهي التقرير بمجموعة كبيرة من الإحصائيات التنموية المحدثة والتي تعتبر مرجعا مهما للمهتمين بالقضايا التنموية والاجتماعية، وهو إضافة جوهرية للمكتبة المغربية، مع الأمل في أن تتحول توصياته إلى قرارات فعالة من قبل الحكومة المغربية